اللاجئون كعاملين صحيين مجتمعيين في الأردن: تعزيز وتطوير الصحة النفسية

خلال الأزمات الإنسانية، يُنظر إلى اللاجئين غالبًا كمستفيدين سلبيين من المساعدات. إلا أن هذه الصورة بدأت تتغير سريعًا، لا سيما في مجال علاجات الصحة النفسية. تتناول دراستنا الأخيرة نموذجًا مجتمعيًا فاعلًا يتمثل في تمكين اللاجئين من العمل كعاملين صحيين مجتمعيين، خصوصًا في مخيمات اللاجئين في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

الشكل 1. نموذج العاملين الصحيين المجتمعيين من اللاجئين

يُمهّد تدريب اللاجئين ليصبحوا عاملين صحيين مجتمعيين الطريق أمام فرص عمل داخل المخيم، وربما خارجه. يكتسب المتدربون مهارات قابلة للنقل في الإرشاد، والتواصل الصحي، والقيادة، والتشخيص الأساسي. سيؤدي ذلك إلى تحسين سبل العيش الفردية، وتحفيز الاقتصاد المحلي داخل المخيم، وتشجيع النشاط الاقتصادي الصغير من خلال إنشاء شبكات خدمات صغيرة النطاق، مثل مجموعات دعم الصحة النفسية التي يقودها الأقران، وجلسات التدريب غير الرسمية، والشراكات مع المنظمات غير الحكومية التي قد تقدم مخصصات مالية أو منحًا صغيرة، مما يُولّد دخلاً محليًا ويقلل من الجمود الاقتصادي داخل المخيم. وقد يؤثر ذلك أيضًا بشكل إيجابي على اللاجئين عند عودتهم المستقبلية إلى وطنهم، حيث سيكونون قد اكتسبوا خبرة تؤهلهم للعمل في هذا المجال وتقليل

الاعتماد على المساعدات الإنسانية، التي تنطوي على جلب مختصين من خارج المخيم.

 

الشكل 2. العاملون الصحيون المجتمعيون وتأثيرهم على الهدفين الثالث والرابع من أهداف التنمية المستدامة

يقول نهج القدرات الذي وضعه Amartya Sen’s إن العدالة في الصحة لا تتعلق فقط بتقديم الخدمات، بل أيضًا بمنح الناس مزيدًا من الحرية للعيش حياة كريمة ومستقلة. هذا يشبه كثيرًا عمل العاملين الصحيين المجتمعيين من اللاجئين. البلدان مثل الأردن، التي توفر بالفعل للاجئين إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية العامة، لديها فرصة لتوسيع هذا النموذج كوسيلة لتقديم الصحة من القاعدة إلى القمة، من خلال ربط السياسات بالممارسة والتمكين المحلي. هذا النموذج ليس عملًا خيريًا؛ إنه استراتيجية تنموية مستدامة وفعالة من حيث التكلفة. وهو يتماشى مع الميثاق العالمي من أجل اللاجئين والتحول العالمي نحو توطين الاستجابات الإنسانية من خلال الانتقال من المساعدات إلى التنمية. يمكن لتمكين المنصات الإعلامية المدنية التي يقودها اللاجئون أن يعزز من مدى مصداقية

وتأثير تدخلات الصحة النفسية، خاصة في البيئات الاجتماعية الهشة.

التوصيات: من البحث إلى التنفيذ

 

الشكل 3. من البحث إلى التنفيذ: العوامل المُمكّنة الرئيسية

  1. آليات تمويل مبتكرة

ينبغي على المانحين والمعنيين بالتنمية النظر في آليات تمويل قائمة على النتائج، مثل السندات التنموية ذات الأثر، أو نماذج تمويل هجينة تتعاون فيها المنظمات غير الحكومية مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، Mercy Corps وHumanity & Inclusion (HI) ، مع الحكومات المحلية والجهات الخاصة لتدريب العاملين الصحيين المجتمعيين من اللاجئين والاحتفاظ بهم بشكل مستدام. تقلل هذه النماذج من الاعتماد على المنح المؤقتة وتعزز المساءلة، خاصة عند تطبيقها في مجالات مثل دعم الصحة النفسية في بيئات اللاجئين.

  1. إشراك البنوك كشركاء في حلول الصحة النفسية

من خلال تطبيق نماذج تمويل إبداعية تدمج بين الرعاية الصحية وأهداف التنمية الأوسع، يمكن للبنوك الأردنية أن تسهم بشكل كبير في هذا الجهد، خصوصًا في مجالات التعليم وتمكين هذه الفئة. ومن الجدير بالذكر أنه في عام 2025 أطلقت البنوك الأردنية مبادرة وطنية لدعم قطاعي الصحة والتعليم بتخصيص 90 مليون دينار أردني على مدى ثلاث سنوات، وذلك ضمن مسؤوليتها الاجتماعية في تعزيز التنمية الوطنية والنمو الاقتصادي. يعكس هذا الدور الفعّال والمتزايد الذي يمكن أن تؤديه البنوك في دعم جهود التنمية المرتبطة بالصحة. فعلى سبيل المثال، سبق للبنوك في الأردن أن أبدت اهتمامًا بالصحة النفسية؛ ففي عام 2024، دعم بنك القاهرة عمان، من خلال علامته التجارية “Signature”، فعالية دولية في العقبة ركزت على الصحة النفسية والجسدية والروحية للنساء، مما أبرز دور المؤسسات المالية في تعزيز الرفاه النفسي والتمكين المجتمعي. ويخلق هذا الزخم فرصة استراتيجية لإدماج العاملين الصحيين المجتمعيين ضمن الإطار التنموي الأوسع، مع تمكين البنوك من توسيع أثرها الاجتماعي من خلال شراكات شاملة وطويلة الأمد.

  1. تطوير مؤشرات الأداء الرئيسية

يمكن أن تساعد مؤشرات الأداء الواضحة في قياس فعالية العاملين الصحيين المجتمعيين. قد تشمل هذه المؤشرات عدد الحالات التي تمت معالجتها، كفاءة الإحالة، معدلات المتابعة، رضا المستفيدين، والتحسن في الأوضاع الاقتصادية للعاملين أنفسهم. إن تكييف هذه المؤشرات مع السياق الأردني سيدعم التنفيذ العملي ويساعد في توجيه السياسات، خاصة إذا تم تبنيها من قبل مؤسسات متخصصة في قياس الأداء في الأردن مثل مركز مؤشرات الأداء، حيث توفر هذه المؤشرات إطارًا منظمًا لتتبع التقدم وضمان المساءلة.

  1. الإعلام المدني والأثر الاجتماعي

أطلقت الأردن عدة برامج لدعم الصحة النفسية للاجئين. وأحدث هذه المبادرات هو برنامج المهارات النفسية للمرونة في المدارس المخصصة للاجئين السوريين، والذي تم إطلاقه عام 2025 من قبل أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين بهدف تعزيز ممارسات الدعم النفسي الاجتماعي. إلى جانب هذه البرامج المهمة، يمكن للاجئين أيضًا أن يقودوا حملات توعوية وسرد قصصي تُسهم في تغيير نظرة المجتمع تجاه الصحة النفسية، مما يزيد من فاعلية دور العاملين الصحيين المجتمعيين. ينبغي على المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام التعاون في إطلاق حملات تضخّم صوت هؤلاء العاملين داخل المخيمات وخارجها، وهو نهج تتبناه بالفعل مبادرات محلية مثل We Love Reading، التي تستخدم السرد القصصي المجتمعي لتعزيز المرونة العاطفية والاندماج الاجتماعي.

#الأردن #اللاجئين #اللاجئون_كعاملين_صحيين #الصحة_النفسية_في_الأزمات #الصحة_النفسية #الرعاية_الصحية_بقيادة_المجتمع #الصحة #تمكين_اللاجئين #التوطين_الفعال #الهدف_الثالث #الهدف_الرابع #من_المعونة_إلى_التنمية #الابتكار_الإنساني #العدالة_الصحية

Scroll to Top